السبت، 27 يونيو 2015

أنا وظلي 1

كان يجلس وحيدا بائسا بالكاد يسمع صوت أنفاسه، وصوت خطواته المتثاقلة على تلك اﻷرضية الباردة في غرفته الضيقة الخانقة التي لا تحتوي الا على كرسي واحد بمنتصفها.
وكان هو لا يفعل سوى الدوران حول ذلك الكرسي وأحيانا كثيرة ما كان يغفوا وهو يدور ويدور.
كان يلاحق ظله أو يلاحقه ظله الملقى على الأرض من تأثير ذلك المصباح اليتيم فوق الكرسي.

سألحق بك، بل سأسبقك، أنت دائما بجانبي، أحيانا أمامي، وأحيانا خلفي.
ولكن لا أطيق أن تكون خلفي فأنت سلواي في وحدتي.
تخيل لو انطفاء المصباح ،هل ستظل معي أم ستتركني؟
ألا تأمن على نفسك معي اذا غشانا الظلام؟
حتى أنت؟
ماذا لو تركتك أنا وذهبت ؟
تتبعني؟
لماذا اذن؟
أنت أيضا أناني.
تأتيني متى تريد وتتركني متى تريد، وإن أردت أنا الابتعاد عنك ،فالثمن أن أعيش في الظلمات.
سأخرج من هذه الغرفة عللي أجد من يؤنس وحدتي غيرك.

ممر طويل مظلم، وظلي يسبقني بمسافة كبيرة بطول الممر.
هناك ضوء خافت يأتي من بعيد.
هلا تأخذ بيدي الى ذلك الضوء؟
كلما اقتربت بخطوات مترددة كان يقف ظلي أمامي.
الى أن أصبح ينظر لي وأنظر له.
سألته هل ندخل لنرى من بالداخل أم نعود الى حجرتنا؟
أجب.
حسنا ، نسيت أنك ظل سلبي، لقد أوصلتني وتبعتك الى هنا وأنت الان تقف أمامي.
فتحت الباب الذي يستند عليه ظلي، فوقع على الأرض.
وها هو أيضا مصباح وحيد في منتصف الغرفة فوق كرسي وحيد أيضا.
إقتربت ،وذلك الجبان يتقهقر كلما اقتربت بل واختبأ ورائي.
جلست على الكرسي.
ماذا أرى؟
هناك أربعة صفوف من البشر يجلسون خلف بعضهم البعض من حولي من جميع الجهات.
ألقيت عليهم التحية وألقوا نفس التحية.
نظرت الى ظلي فلم أجده تحتي لقد ذهب عني.
حسنا لا يهمني، فالان أجلس مع اناس كثيرة، يمكننا أن نتحدث طويلا دون ملل.
رفعت رأسي من الأرض، نظرت باتجاه ذلك الشخص أمامي.
مساء الخير هكذا بدأت الحديث.
فرد بابتسامة مألوفة لدي.
سألته إن كان يشعر مثلي بالوحدة؟
فأوماء برأسه أي نعم.
سألته ، ما حكايتك؟
هل لي أن أتعرف عليك؟
نظرت الى عينيه مباشرة وأنصت الى نظراته وأنفاسه وتنهيداته.
بدأت عيناه تدمعان، لا بل أظن أنها عيناي فأنا لم أعد أرى بوضوح، فركتهما ونظرت اليه من جديد.
قلت له تحدث فأنا معك.
من أنت؟
مرت فترة صمت طويلة ونحن ننظر الى بعضنا البعض دون كلام.
ثم بداء الحديث هامسا، كان همسه في منتهى الوضوح رغم بعده عني.
فالهدوء الرهيب الذي كان في الغرفة يساعد على سماع دبة النملة وخصوصا أن جميع الموجودين بالغرفة صامتون.
أنا لا أعرف عمري بالظبط، ولكني أظن أنه بين الثامنة عشر والخامسة والخمسون.
أعمل نساجا، أنسج خيوط الحرير مع الصوف.
أصنع منها أثوابا غريبة متفردة ولكن لا أجد من يشتريها، فأستخدمها أنا، وأدفع لنفسي ثمنها.....

يتبع....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق